"ولو أنفقت ما في الأرض جميعا, ما ألفت قلوبهم ولكن الله ألف بين قلوبهم" وسورة (الأنفال)
التجربة التكاملية المغاربية : أي إطار نظري ؟
معظم التجارب الإقليمية العربية بما فيها إتحاد المغرب الكبير جاءت نتيجة قرارات سياسية إرادية للأنظمة الحاكمة، غلب عليها التسرع من جهة والحماس من جهة أخرى، لأنه حتى بالرجوع إلى معاهدة تأسيس الاتحاد يتضح أنها وضعت سقفا لطموحات المؤسسة وحددتها في تفاهم بين قادة الدول الذين هم طبعا في وضع عدم توافق
وهنا يلح التساؤل : هل فعلا أن التجربة التكاملية المغاربية نابعة من عمق مجتمعات الدول المنضوية تحته ؟ وأي إطار نظري يمكن إسقاطه على هذه التجربة ؟
أثبتت التجارب العالمية السابقة أن معظم التجارب التكاملية باءت بالفشل وأن قلة منها فقط نجحت لا لشئ سوى لأن التكامل في نهايته هو مسار طويل وشاق
وقياسا على إتحاد المغرب الكبير فإنه من الصعب القول بأنها تجربة عرفت مسارا محددا ومنتظما، وإذا سلمنا له بذلك فإنه من الصعب القول بأنه مسار تكاملي عرف نمطا معينا أو منهجا ثابتا، خاصة وأن التكامل مسار تترتب عنه حركية إجتماعية تؤدي بالضرورة إلى التغير الإجتماعي الذي لا يتماشى بالضرورة مع منطق الدولة في المغرب الكبير
التجارب التكاملية الناجحة تستهدف التمكين المطلق للأفراد، لأن جوهر التكامل هو الحاجات الإنسانية، وهذه الحاجات تعتمد على الفرد بينما الحاجات السياسية تعتمد على حاجات الدول وبالخصوص ( الفخر ، النصر .. ) وهذه القيم لا يمكن أن تكون قيما للتكامل لان قيم التكامل عقلانية ومفيدة
في التجربة المغاربية يتضح جليا بأن الزعماء المؤسسين كان مسعاهم تحقيق السلام للدولة وليس السلام للأفراد . ولعل أبرز مثال على ذلك أنه بالرجوع إلى ديباجة معاهدة الإنشاء في سنة 1989 نجد بأنه تم تصديرها بعبارات : عن فخامة الرئيس ، قائد الفاتح المعظم, جلالة الملك .... وغيرها من العبارات التي تمجد القادة والرؤساء في معاني لا يستشف منها أي بوادر قد تفيد قيامها لصالح الشعوب
مسار التكامل قد يؤدي إلى تفكيك الدولة أو قد يؤدي إلى الحفاظ عليها بأشكال أخرى، فإما تذوب الدولة وتتماهى وإما تجتمع مع دول أخرى في فدراليات وكلا الأمرين من الأمور الصعبة على دول المغرب الكبير التي تصر على التأكيد بأن الإتحاد المغاربي يبقى خيارا تكامليا إستراتيجيا ولكن تصرفها عكس ذلك ، فسلوكها السياسي لا يزال حبيس الرؤى القطرية الضيقة وتصورات السيادة التقليدية التي تجاوزها الزمن
إن أقل ما يمكن قوله هنا أن الدول المغاربية إما أنها لم تستوعب معنى التكامل وإما لا يصلح لها التكامل أصلا ، ولعل الرأي الأول هو الراجح لأنه يسود الإعتقاد في هذه الدول ولدى صانعي القرار بالدرجة الأولى أن خوض تجربة تكاملية ليس الهدف منه هو تحصيل الفوائد والنتائج التي تخدم الدولة وإنما إشباع جملة من الرغبات والتصورات الذاتية والبعيدة كل البعد عن الواقع بما في ذلك محاكاة النماذج الغربية الرائدة ، وتجاوز الإنتقادات التي تأتي من تلك الجهة أو أكثر من ذلك إصباغ العملية بنوع من الديماغوجية من أجل التحكم في الأوضاع الداخلية
نقول ذلك لان المتتبع لعمليات التكامل المختلفة في المناطق المختلفة وخاصة الناجحة منها - الإتحاد الأوروبي كنموذج - نجد بأن النقاش لا يطول كثيرا على مستوى التكامل وآلياته وأهدافه وبالتبعية الإنضمام والإنضواء بقدر ما يطول بالنسبة للعقبات والمشاكل والتحديات على العكس مما هو حاصل بالمغرب الكبير
إننا حين نطرح هاته الورقة حول الإطار النظري الممكن لإتحاد المغرب الكبير نعي السياق الدولي والجيوسياسي البالغ التعقيد والذي لا يصب حتما في اتجاه إنجاح التجربة التكاملية لدول المغرب الكبير, خاصة في ظل انهيار الدولة الليبية, عولمة الإرهاب واستمرار شد الحبل بين المغرب والجزائر حول الصحراء المغربية. لكننا في نفس الوقت نريد إثارة الإنتباه إلى فاعل أساسي يتم دائما تغييبه في أي حديث عن الاندماج وهو المجتمع المغاربي نفسه, حيث انه بدون توفر وعي مجتمعي بأهمية الإندماج وضرورته لنهضة المنطقة فإن الساسة سيستمرون في الحديث عن الاتحاد المغاربي بما يوافق مصالحهم وتطلعاتهم للإستمرار في الحكم مما يحتم خروج عقلاء المجتمع المغاربي ونخبه من قوقعتهم والعمل على الترويج للضرورة الحيوية والقصوى لإعادة قطار المغرب الكبير الى سكته خاصة مع تزايد حدة المخططات الرامية إلى تفتيت المنطقة والتلاعب بمقدراتها